نشأنا في بيئة علّمتنا أن فاقد الشيء لا يعطيه، ورَبيِنا على أن معنى هذه العبارة هو أنك لن تكون قادراً على التبسّم في وجه أخيكَ ما لم يبدأ "هو" بذلك، ولن تكون قادراً على إكرام جاركَ ما لم يكرمكَ، ولن تكون قادراً على الوفاء لصديقكَ ما لم يغمركَ بالوفاء، وقِس على ذلك؛ بمعنى أن تكون كالإناء الذي إن لم يملأه من حوله بقي فارغاً خالياً من كل شيء!
أجيال تتلو أجيال تردد هذه العبارة بذات المفهوم. كنّا نسير ملتحمين تجمعنا جادّة واحدة واليوم تفَرّقنا وذهب كل منّا يبحث عن شخص يبدأ بالعطاء ليملأ نفسه بما فقدت حتى أوشك أحدنا أن لا يرى اثنين يسيران في اتجاه واحد!
لم يكن ذلك في الحسبان، فرّقتنا العبارة على عكس ما كان يُرتجى منها!
ماذا لو تأملنا هذه الكلمات من زاوية أخرى؟
ماذا لو كانت تعني أنكَ إن فقدتَ الشيء من نفسكَ "أنتَ" لا ممن حولكَ فلن تكون قادراً على العطاء؟
بمعنى آخر أنكَ حين تفقد مبدأ الكرم من نفسكَ وروحكَ فلن يكون بوسعكَ الإكرام ولو أكرمكَ جميع من حولكَ!
وهل تظنّ أن من فقد قلبُه الحبَّ قادر على أن يغمر به من حوله ولو أحبّه أهل الأرض جميعاً؟!
قد يرى بعضكم أن حديثي هذا مبنيّ على فلسفة فارغة تسعى لإحداث ضجّة!
لكن قبل أن تصدروا الحكم عليّ فكروا في ما فقده الرسول صلى الله عليه وسلم من قومه وبعض أهله وفيما قدّمه وبذله لهم؛ كانت كفّة العطاء لديه راجحة دوماً بأبي هو وأمّي..
يا صديقي..
حين يمتليء قلبكَ بأمر.. حين يجري منكَ مجرى الدم.. حين يكون نصبَ عينيكَ لن يُنقِص منه مثقال ذرّة بخلُ من حولكَ. كن كالنهر يجري وحده بلا ملل أو كلل ولا تكن كالإناء كَلٌّ* على من حولك!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كَلّ: العيال والثقل.
نِرميــن :)
الثلاثاء
٢٨ ـ ذو القعدة ـ ١٤٣٥ هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق